top of page

دولة بني أمية فيما لها و عليها (1)

يَزْهُو بِهِ تَارِيخُنَا الإِسْلامِـيْ
لمِئَةٍ وَ(بَاْ) وَ(لامٍ) وُطِّدَاْ (2)

ومِنْ عُلُومٍ و تَعَالِيْمٍ تُهِـمْ (4)

مُلْـكُ بَني أُمَيَّـةَ الكِـرَامِ
مِنْ عَامِ أَرْبَعِينَ مُلْكُهُمْ بَدا
وكَمْ فُتُوحَاتٍ جَلِيْلَةٍ لهُمْ (3)

قبة الصخرة المشرفة - القدس

(1) يعرض الناظم رحمه الله فيما يلي بعض مزايا هذه الدولة ثم يفصل في أسباب سقوط الدولة الأموية، ونستشهد ههنا لهذه الأسباب من أقوال علماء التاريخ ما نقوي به كلام الناظم رحمه الله. وقبل الدخول في ذلك نشير إلى أن الدولة العربية كما سيشار إليها فيما بعد هي الدولة التي مرت بالمراحل الثلاث الآتية:

 

أ. مرحلة الدعوة الإسلامية.

ب. مرحلة الخلفاء الراشدين.

ج. مرحلة الخلافة الأموية.

 

وقد وصفت بالعربية لأن الجنس العربي هو الذي كان حاملاً لواءها ومصرفاً لشؤونها حتى نهاية الدولة الأموية. فلما قامت الدولة العباسية آل الأمر إلى الأعاجم أو إلى الشعوب التي تحولت إلى الإسلام كالفرس و الترك والبربر. (في التاريخ العباسي؛ د.أحمد مختار العبادي ص 9).

 

(2) لقد مر فيما سبق بالتفصيل أن حكم الأمويين بدأ في سنة أربعين للهجرة على يد معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، وانتهى في العام اثنين وثلاثين بعد المائة بحكم مروان بن محمد رحمه الله. فالباء وهو الحرف الثاني هجائياً يرمز به إلى الرقم 2 وكذلك فإن اللام يرمز به للرقم 30.

 

(3) فتوحات عهد بني أمية كثيرة جداً، نوردها بالترتيب الآتي: 

أ. اتساع الدولة العربية في شرق العالم الإسلامي:

1. فتح بلاد ما وراء النهر: في عهد يزيد بن معاوية؛ قام سلم بن زياد عامله على خراسان بفتح إقليم خوارزم؛ وعبر نهر جيحون ومعه امرأته؛ ووجه جيشاً إلى خجنده؛ فانهزم، ولم تنشط فتوح ما وراء النهر إلا منذ أن تولى الحجاج بن يوسف خراسان مع العـراقيين سنة 78 هـ في خلافة عبدالملك بن مروان، فولى خراسان المهلب بن أبي صفرة؛ فغزا وافتتح بلاد الصغد الإتاوة؛ ولما توفي المهلب ولى الحجاج يزيد بن المهلب على خراسان؛ وفي ولايته اشتبك المسلمون بقيادة موسى بن عبدالله بن خازم مع الهياطلة سكان اقليم تركستان، فهزموهم؛ واستولى موسى على ترمذ؛ ثم عزل الحجاج يزيد بن المهلب وولى مكانه المفضل بن المهلب على خراسان؛ وفي موقعة بجزيرة بالترمذ لقي فيها موسى حتفه سنة 85ه. ثم ولى الحجاج على خراسان القائد العربي قتيبة بن مسلم الباهلي في سنة 86هـ في أول خلافة الوليد بن عبدالملك، وفي سنة 87هـ غزا قتيبة بيكند وافتتحها، وفي سنة 89هـ غزا بخارى واستولى عليها، ثم افتتح سمرقند سنة 93هـ وغزا طشقند سنة 95ه، ثم تأثرت فتوحات قتيبة بوفاة الحجاج بن يوسف في شوال سنة 95ه، وكان مقتل قتيبة سنة 96هـ .

 

2. فتح جرجان و طبرستان: سار إليها يزيد بن المهلب في مائة ألف من أهل الشام والعراق وخراسان وتمكن من فتحها؛ ثم زحف إلى طبرستان.

 

3. فتوح السند: في خلافة معاوية سنة 44هـ غزا المهلب بن أبي صفرة القيقان من بلاد السند، وفي عهد الحجاج ولى ابن أخيه محمد بن القاسم الثقفي سنة 89هـ على حملة سيرها لغزو السند فافتتحها وبنى مسجداً، ثم زحف بجيوشه إلى مدينة برهمناباد العتيقة وتمكن من الاستيلاء عليها، ثم واصل الزحف إلى الرور عاصمة داهر فدخلها، وواصل ابن القاسم فتوحاته من السند إلى البنغال، ثم آلت ولاية السند في عهد هشام بن عبدالملك إلى جنيد بن عبدالرحمن المري.

 

ب. اتساع رقعة الدولة العربية في غرب العالم الإسلامي:

1. فتوح المغرب؛ (على سبع مراحل).

المرحلة الأولى : خرج معاوية بن حديج من مصر سنة 45 هـ على رأس جيش ضخم لغزو إفريقية؛ حتى وصل إلى قرطاجنة، ومن هناك سير جيشين؛ أحدهما بقيادة عبدالله بن الزبير؛ ووجهته سوسة؛ تمكن من الاستيلاء عليها، والثاني بقيادة عبدالملك بن مروان؛ ووجهته إلى جلولاء؛ فحاصرها، ثم مضى معاوية بن حديج شمالاً وافتتح بنزرت، ثم غزا صقلية سنة 46 ه، واختتم غزواته بفتح جزيرة جربة سنة 47هـ على يد رويفع بن ثابت الأنصاري.

 

المرحلة الثانية: خرج عقبة إلى المغرب سنة 49هـ ورأى أنه لفتح هذه البلاد يتحتم على العرب إنشاء قاعدة عربية إسلامية في إفريقيا، فاختط القيروان سنة50 ه وشرعه في تأسيس المسجد الجامع، وقدر للقيروان أن تصبح حاضرة المغرب الإسلامي في عصر الخلافة الأموية.

 

المرحلة الثالثة: لم تطل ولاية عقبة على أفريقية أكثر من خمـس سنـوات فـقـد عـزلـه معاوية بن أبي سفيان سنة 55 هـ، فكلف مسلمة بن مخلد الأنصاري والي مصر على شن هجوم على تلمسان وقرطاجنة؛ وتمكن من الاستيلاء عليها.

المرحلة الرابعة: لما توفي معاوية سنة 60هـ خلفه ابنه يزيد الذي بادر بعزل أبي المهاجر دينار؛ ورد عقبة لولاية إفريقية، فانطلق عقبة بجيشه إلى مدينة تهودة ليستولي عليها ويتخذها قاعدة لقواته، في منطقة أوراس، وما كاد يقترب منها حتى ألفى نفسه مطوقاً من حشود بربرية، بقيادة كسيلة، ودارت بينهم موقعة انتهت باستشهاد عقبة وعدد كبير من المسلمين، ثم تمكن كسيلة من الاستيلاء على القيروان سنة 64ه.

 

المرحلة الخامسة: في خلافة عبدالملك بن الحكم؛ بعث زهير بن قيس لاسترجاع القيروان سنة 69هـ فاشتبك مع كسيلة وانتصر عليه ودخل القيروان، وفي عودته إلى مصر قطع عليه البيزنطيون الطريق؛ ودارت بينهم معركة استشهد فيها زهير ببرقة، ثم سير عبدالملك جيشاً بقيادة حسان بن النعمان سنة 74ه؛ وهاجم قرطاجنة ودخلها؛ واشتبك مع قواتها في موقعة عند نهر البلاء؛ فانهزم حسان وتراجع المسلمون إلى برقة، وخرجت إفريقية على هذا النحو من أيدي العرب.

 

المرحلة السادسة: أقام حسان في برقة ما يقارب أربع سنوات؛ حتى أرسل إليه عبدالملك إمدادات ضخمة؛ فعزم على مواجهة البيزنطيين الذين استردوا قرطاجنة، فما كاد يقترب منها حتى فر البيزنطيون بحراً. فقرر حسان أن يقيم تجاه قرطاجنة مدينة إسلامية تقع على البحر؛ فبنى تونس وأسس فيها مسجداً جامعاً وداراً للإمارة، وعمل على تعريب البلاد ونشر الإسلام، ووزع الفقهاء على أنحاء المغرب.

 

المرحلة السابعة: في عهد عبدالعزيز بن مروان والي مصر؛ ولى على إفريقية موسى بن نصير الذي خرج غازياً إلى طنجة، ولم تستعص على موسى من بلاد المغرب سوى مدينة سبتة لمناعتها ووصول الإمدادات إليها من أسبانيا القوطية.

 

2. فتوح الأندلس: كان يحكم سبتة من قبل القوط الغربيين حاكم يقال له جوليان، كما كان يحكم أسبانيا ملك يقال له لذريق؛ كان حاكماً على قرطبة، فاختار موسى على الحملة التي أعدها لفتح الأندلس طارق بن زياد؛ الذي أبحر بحملته من ميناء طنجة في الخامس من رجب سنة 92 هـ؛ فاستولى على قرطاجنة الجزيرة، ثم اشتبكت قوات لذريق مع قوات المسلمين في 28 رمضان من نفس العام في معركة انتهت بهزيمة لذريق، وبعد انتصار طارق اندفع بجيوشه إلى طليطلة العاصمة، فدخلها سنة 93ه، ثم عبر موسى بن نصير إلى الأندلس وتعاون مع طارق على افتتاح بقية الأندلس. وفي عهد ابنه عبدالعزيز تم للمسلمين فتح بلاد غرب الأندلس سنة 95ه، وشرق وجنوب شرق الأندلس سنة 96ه. وقدر لمن خلفه من ولاة الأندلس أن يتوسعوا ويبسطوا سلطان المسلمين على جزيرة إيبيريا.

(تاريخ الدولة العربية «باختصار» ؛ د.السيد عبدالعزيز سالم ص351 – 375).

 

(4) يمكن تقسيم مظاهر الحضارة العربية في عصر الدولة الأموية اختصاراً بما يلي:

 

أ. النظم الإدارية:

1. الخلافة والوزارة:

تحول نظام الخلافة منذ قيام الدولة الأموية إلى ملك استبدادي، أما الوزارة فقد وجدت في العصر الأموي من حيث التسمية دون الاختصاص؛ فكان النظر للوزير عاماً في أحوال التدبير وسائر الأمور كالنظر في ديوان الجند والعطاء.

2. الدواوين ( عمر بن الخطاب أول من أدخل نظام الدواوين من خلفاء المسلمين ) :

 

أ. ديوان الجند: هو الذي يحصر فيه جند كل إمارة وأعطياتهم وكل ما يختص بشؤونهم، وأول من وضعه الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، وكان بالعربية منذ أن وضع. 

 

البنود المنظمة: عندما أراد الخليفة عمر بن الخطاب تنظيم ديوان الجند استشار في ذلك الصحابة رضي الله عنهم واتفقوا على سن قوانين منظمة له، وهي ثلاثة على النحو التالي:

 

البند الأول الوصف الذي يجوز به اثباتهم. ويراعى فيه خمسة شروط هي: البلوغ، الحرية، الاسلام، السلامة من الافات المانعة من القتال الاقدام على القتال والمعرفة بالحروب.

 

البند الثاني فيما يتعلق بترتيبهم ويراعى فيه مايلي: بحسب قربهم وبعدهم في النسب من النبي  ، وبحسب أسبقيتهم في الاسلام وبلائهم فيه، وبحسب اجناسهم من عرب وعجم. 

 

البند الثالث فيما يتعلق بتقدير العطاء: ويكون التقدير بحسب الكفاية وتعتبر من ثلاثة أوجه: عدد من يعوله من الذراري والمماليك وعدد ما يرتبطه من الخيل والظهر، والموضع الذي يحله في الغلاء والرخص. 

 

ويتم مراجعة هذه الشروط كل عام فتتبدل بحسب الحاجة. ومن الأمور المنظمة لديوان الجند والمقررة فيه ما يلي: 

من أراد من الجيش اخراج نفسه من الديوان جاز له ذلك في حال الاستغناء عنه، ولم يجز مع الحاجة اليه الا أن يكون معذوراً. 

من امتنع عن القتال وهو قادر عليه سقطت اعطيته وإن ضعف عنه لم تسقط. 

 

يعوض المقاتل عن ما استنفده في القتال من فرس وسلاح. 

إذا مات أو قتل كان ما يستحقه من عطاء لورثته ويعتبر دين مستحق لهم في بيت المال.

 

ب. ديـوان الـخـراج و الـجـبـايـات: يشرف على الشؤون المالية للدولة، وكـان أول مـن نـقـل الكتـابة من الفارسية إلـى العـربـيـة بخـراسان اسحق بن طليق الكاتب؛خلافة هشام 124هـ.

 

ج. ديوان الرسائل و الكتابة: وهو مستحدث في زمن معاوية بن أبي سفيان؛ ولم يكن موجوداً زمن الخلفاء الراشدين، وأصبح لهذا الديوان محفوظات خاصة يتولى الإشراف عليها الخازن.

 

د. ديوان الخاتم: أنشأه معاوية حتى لا تخرج التوقيعات بدون ختم فلا يعلم ما يحتويه من أسرار أحد غير الخليفة.

هـ. ديوان البريد: استحدثه معاوية وذلك لنقل الرسائل في سرعة متناهية لتسهيل الاتصال السريع بين الخليفة وبين عمال الأقاليم.

3. القضاء: كان اختيار القضاة وتعيينهم يتم على يد الخليفة.

 

4. السكة:

في خلافة عثمان بن عفان ضربت دراهم نقشت عليها عبارة (الله أكبر)، ولم تعرف عند المسلمين عملة إسلامية خالصة إلا في عصر الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان الذي سعى جاهداً إلى توحيد النظام النقدي الإسلامي في سائر الدولة العربية. ولقد مر الإصلاح النقدي الذي قام به عبدالملك بمرحلتين؛

 

الأولى : ضربت الدنانير الذهبية على غرار الفلوس البيزنطية.

والثانية: استبعد عبدالملك التأثيرات البيزنطية نهائياً بأن نقش صورته هو مكان هرقل وولديه، ومع ذلك فقد كان دينار المرحلة الثانية تمهيداً لصدور الدينار الإسلامي الخالص سنة 77هـ.

 

5. الطراز:

تخلى العرب بعد الفتوحات عن ثيابهم الخشنة؛ وأقبلوا على التأنق في اللباس؛ فازدهرت صناعة النسيج؛ وعرفت مصانع النسيج بدور الطراز – وهي كلمة فارسية معناها التطريز – وكانت مصر قبل الإسلام مشهورة بصناعة النسيج؛ لذلك عمد العرب إلى الإفادة من هذه الشهرة في كسوة الكعبة المشرفة.

 

ب. شيوع الترف في المجتمع المدني:

كان عمر بن الخطاب يحرص على أن يلتزم العرب بعد الفتوحات حياتهم القائمة على الخشونة والتقشف والزهد؛ خشية أن تجرفهم حياة المدنية في تياراتها؛ إلا أن السياسة التقشفية التي التزمها عمر لم تلبث أن انتهت بانتهاء عصره، فلما استخلف عثمان لم يتشدد كما كان يفعل عمر، فانطلق العرب إلى حياة الترف؛ فأنفقوا في مآ كلهم ومشاربهم وملابسهم؛ واستبدلوا دورهم القديمة قصوراً منمقة الجدران، ولقد أغرم الكثير من العرب في العصر الأموي (لا سيما الولاة والوجهاء) بالغناء والموسيقى بعد أن تأثروا بسبب تدفق الأموال عليهم بعد الفتوحات (إلا من رحم). 

 

ج. الحياة الفكرية:

ازدهرت الحركة الفكرية في العصر الأموي وشملت مجالات العلوم الشرعية والتاريخ والجغرافيا والعلوم العقلية كالفلسفة والفلك والرياضيات والعلوم الطبيعية، وفيما يلي موجز لهذه النشاطات الفكرية:

 

1. العلوم الشرعية:

هي أول ما عرفه العرب من علوم، فتأسست المدارس الدينية في الأمصار الإسلامية بعد الفتوحات؛ وكان أساسها القرآن الكريم والحديث الشريف والفقه، وكان من أهم العلوم علم القراءات الذي يعتبر أساس علم التفسير. ومنها أيضاً علم الحديث؛ ويراد به ما يروى عن النبي  من قول أو فعل أو تقرير أو صفة؛ ومن أشهر المحدثين في العصر الأموي الإمام الأوزاعي.

 

2. علوم اللغة:

على الرغم من غلبة الأمية والبداوة على العرب في جاهليتهم؛ فقد كانت لغتهم الفصحى هي كل ما حملوه مع الإسلام من الجزيرة العربية إلى الأمصار، وهي اللغة التي نزل بها القرآن الكريم؛ كما سجل بها روائع الشعر العربي القديم. وكذلك فقد استحدثت الشريعة الإسلامية و النظم السياسية والإدارية في الدولة ألفاظاً ومصطلحات لم يكن للعرب عهد بها من قبل، وأول من جمع معجماً في اللغة العربية الخليل بن أحمد الأزدي.

 

3. علم التاريخ:

قامت الدراسات التاريخية بادئ ذي بدء على دراسة سيرة الرسول  وأخبار الغزوات؛ وأخبار هجرة المسلمين إلى الحبشة ثم طيبة، وكان الخبر التاريخي يستمد من السماع عند الحفاظ الموثوق بهم، وينقسم مؤرخو السيرة والمغازي في مدرسة المدينة ومكة إلى ثلاث طبقات، فبرز في الطبقة الأولى : ابان بن عثمان بن عفان وعروة بن الزبير؛ والثانية: عبدالله بن أبي بكر بن حزم الأنصاري؛ والثالثة: محمد بن إسحاق وإليه تنسب أقدم كتب السيرة، وظهرت في العصر الأموي مدرسة للتاريخ في البصرة والكوفة، ومن المؤرخين الذين اشتغلوا برواية أخبار العرب قبل الإسلام: عبيد بن شرية الجرهمي و وهب بن منبه.

 

4. علم الكلام:

ظهرت في العصر الأموي بعض حركات فلسفية دينية كالجبرية والقدرية والمعتزلة، فالجبرية يقولون بأن إرادة الله مطلقة وقدرته تضع حداً لإرادة الإنسـان ومذهب القدرية هو أن الإنسان يملك القدرة 

 

5. الشعر الأموي:

استرد الشعر في هذا العصر مكانته الجاهلية، وزاد رقيا في الفن وطولا في القصائد وتنوعا وتجددا في الاغراض وتطورا في المعاني، واندماجا في السياسة، ينطق بألسنة احزابها، وتأثرا بالحياة الاجتماعية، وأهم فنونه التي حظيت بالتجديد «الغزل والسياسة والهجاء والفخر»، ومانتج عن هذين الفنين: من اغراض جديدة كالنقائض، ومن اهم الشعراء من بني امية (في الشعر السياسي): الاخطل، جرير، الفرزدق، الكميت، عبد الله بن قيس الرقيات، عمران بن حطان. و(في الغزل العفيف) جميل بن معمر وازدهر في بوادي الحجاز. إلى جانب أغراض شعرية أخرى كالمدح والهجاء والفخر. ومن الشعراء الذين سجلوا أسماءهم في سجل هذه الفنون نجد الأخطل في مدح عبد الملك بن مروان، وجرير في مدح هشام بن عبدالملك. وثلاثي الهجاء الاخطل وجرير والفرزدق الذين عرف فنهم بالنقائض، حيث يمتزج الفخر بالهجاء.

 

6. ترجمة العلوم:

في حين أن الترجمة في العصر الأموي اقتصرت على الكيمياء و الفلك و الطب، نجد انه في العصر العباسي صارت أوسع نطاقا بحيث شملت الفلسفة و المنطق و العلوم التجريبية و الكتب الأدبية.

 

د. المنشآت المدنية والدينية:

لم يكن خلفاء بني أمية رجال حرب وفتوحات وسياسة وإدارة فقط،وإنما كانوا رجال بناء وعمران، وشهد عصرهم العديد من المنشآت المعمارية الدينية والمدنية. فالعمارة تمثل ناحية هامة من نواحي الحضارة الإسلامية، والعمارة لها جوانب عديدة منها بناء البيوت والقصور والمدارس والجامعات والمستشفيات ودور العبادة ومنها بناء الجسور والقناطر الخ.

 

وقد أهتم الأمويون اهتماما كبيرا بكل هذه النواحي فقد اتسعت حدود الدولة الأموية إلى الحد الذي جعل من الضروري ربط أجزاء هذه الدولة الواسعة بشبكة من الطرق المعبدة حتى يسهل الاتصال بين أطرافها وبين عاصمتها دمشق، ولتكون حركة الجيوش بذلك سهلة.

 

وهناك ناحية هامة جعلت الأمويين يهتمون بالطرق وهي: فريضة الحج إلى بيت الله الحرام فقد كان عليهم أن يعبدوا جميع الطرق التي تربط مكة المكرمة والمدينة المنورة ببقية العالم الإسلامي حتى يسهل للحجاج الوصول إلى تلك الأماكن المقدسة بدون مشقة، كما كانت تنتشر على هذه الطرق الأسواق والاستراحات التي تزود المسافرين بحاجياتهم من طعام وشراب.. الخ.

 

كذلك اعتنى الأمويون بمشروعات الري للنهوض بالزراعة، لأن دولتهم ضمت العديد من الأقطار الزراعية التي تجري فيها أنهار كبيرة مثل: الشام ومصر والعراق وفارس، فكان لابد لكي تنهض الزراعة من تنظيم عملية الري وما يتطلبه ذلك من شق الترع وإقامة الجسور.. الخ.

 

كذلك اعتنى الأمويون ببناء القصور الفخمة، فقد كان معظمهم ميالا إلى الاستمتاع بمباهج الحياة بعد أن توفر لديهم المال الكثير، فاتجهوا إلى بناء القصور والتأنق فيها وتزينها بالزخارف والصور النباتية والهندسية، وقد اُكتشف في السنوات الأخير العديد من القصور التي ترجع إلى العصر الأموي والتي وُجدت مزينة بالصور حتى في الحمامات ومعظم القصور الأموية التي اكتشفها علماء الآثار منذ القرن الماضي وجدت في الصحراء - صحراء الشام بصفة خاصة - وذلك لأن الأمويون كانوا يحبون حياة البادية للاستمتاع فيها بالهدوء والهواء الطلق بعيدا عن ضجيج المدن.

 

وكما اهتم الأمويون بالمباني والمنشآت المدنية كالطرق ومشروعات الري والقصور والتأنق فيها، فقد كان اهتمامهم أعظم بالمنشآت الدينية وفي مقدمتها المساجد، فالمسجد أهم مؤسسة في الإسلام فقد كان أول شئ فعله رسول الله  في المدينة المنورة عندما هاجر إليها أن أسس مسجده العظيم، الذي كان مكانا للعبادة وتبليغ الوحي وإدارة الدولة الإسلامية وفيه ربى الرسول  وعلم أصحابه وشرائع الإسلام وفنون القيادة في ميادين الحرب والسياسة والإدارة، وقد حذا المسلمون حذو الرسول  في كل مكان حلّوا فيه، وفي كل مدينة جديدة أسسوها، فكان أول شيء يهتمون ببنائه هو المسجد وفعلوا ذلك في البصرة والكوفة والفسطاط والقيروان.. الخ.

 

وقد احتل بناء المساجد والعناية بها مكانا بارزا في عصر بني أمية على اتساع العالم الإسلامي، فكانوا يزيدون في مساحة المساجد التي كانت قائمة في عهدهم لكثرة المسلمين، كجامع صنعاء وجامع عمرو بن العاص اللذين أعيد بناؤهما في عهد الوليد بن عبد الملك. وكان مسجد الرسول  من أول المساجد التي حظيت باهتمام الأمويين، فقد أمر الوليد بن عبد الملك بتوسعته وتجديده، وعهد بتلك المهمة إلى ابن عمه عمر بن عبد العزيز وأمده بكثير من الأموال وكميات كبيرة من مواد البناء والتجميل مثل الفسيفساء حتى جاء البناء على شكل رائع وعظيم.

 

وأعظم المساجد التي أنشأها الأمويون: المسجد الأموي في دمشق والذي أنشأه أيضا الخليفة الوليد بن عبد الملك، الذي كان مولعا بالبناء والتعمير، لدرجة أن المؤرخين يذكرون أن الناس كانوا في عهد الوليد لا حديث لهم إلا عن البناء والعمارة أسوة بخليفتهم، على قاعدة: أن الناس دائما على دين ملوكهم. وقد اجتهد الوليد في بناء ذلك المسجد لتتمثل فيه عظمة الإسلام والدولة الإسلامية فجعله آية من آيات العمارة الإسلامية وانفق عليه أموالا طائلة ولا زال هذا المسجد قائما حتى الآن شاهدا على عظمة بنائه. هذا وقد انتشرت المساجد في العصر الأموي في كل الأمصار الإسلامية بحيث يصعب حصرها، ومنها على سبيل المثال: مسجد القيروان الذي بناه عقبة بن نافع في عهد معاوية بن أبي سفيان سنة 50 - 55 هـ، وجامع الزيتونة في تونس الذي بني في عهد الخليفة هشام بن عبد الملك سنة 114 هـ، والمسجد الجامع بواسط، ومسجد قصر الحير الشرقي، والمسجد الجامع بحران، والمسجد الجامع بالإسكندرية، المعروف بجامع الألف عمود. 

 

*بتصرف من كتاب: دراسات في تاريخ الدولة الأموية للأستاذ الدكتور: عبد الشافي محمد عبد اللطيف. والأحكام السلطانية لأبي الحسن الماوردي.

 

 

  • YouTube
  • Facebook Clean Grey
  • Twitter Clean Grey
  • Grey Instagram Icon
bottom of page