top of page

أسباب سقوط الدولة الأموية

كَمَا تَـرَاهُ آتِيَـاً نِظَامُـهُ (1)
عَمَّا يُحِيْطُ المُلْـكَ بِالثَّبَاتِ (2) 
بما يَمُدُّ المُلْكَ بِالسَّلامَـةِ

فَبِئْسَمَـا قَضَـوْهُ بِاخْتِيَارِ(3)
لمْ يُصْلِحُوا في شَعْبِهِمْ وَسَامُواْ(4) بِدَفْعِهِ الأَمْـوَالَ أَرْهَقُـوْهُ(5)
قَدْ أَبْعَدُوْهُمْ فَقَضَوا جِهَارَاْ

كَمَا أَضَاعُوا الرَّأْيَ والتَّسْدِيْدَاْ
وَوَرَّثُواْ مُلْكَهُمُ كُلَّ وَلَدْ
وَقَدْ تَضَعْضَعَتْ بِهِ دَوْلَتُهُـمْ
ثمَّ القَبَائِلُ قَلَتْ دَوْلَتُهُمْ
وَالبُغْضُ في بَني أُمَيَّةٍ سَعَىْ

بِكُلِّ مَا فِيْهِ أَذَىً وَ دَاءُ(9)​

لَكِنَّمَا سُقُوطُهُـمْ أَسْبَابُـهُ
مِنْ شُغْلِهِمْ بِاللَّهْوِ واللَّذَّاتِ 
وعَدَمُ الحَزْمِ و الاِسْتِقَامَةِ

وجَوْرُ عُمَّالِهِمُ الأَشْرَارِ
وَوُزَرَاءِ الدَّوْلَةِ الظُّلاَّمُ
وظَلَمُوا الشَّعْبَ وأَغْرَقُوهُ

وقَرَّبُوا الأَشْرَارَ، و الأَخْيَارَا

وأَهْمَلُوا الشُّؤُونَ وَ البَرِيْدَا(6)
وجَعَلُوا وِلايَةَ العَهْدِ عَدَدْ(7)
وقَدْ سَرَى الشِّقَاقُ فِيْمَا بَيْنَهُمْ
و العَصَبِيَّةَ جَوَتْ أُمًّتَهُمْ (8)
وكَرِهَ المواليَ العُرْبَ مَعَاْ

وقَامَتِ الأَحْزَابُ و الأَعْدَاءُ​

أحد القلاع الاموية - الأردن

(1) من هنا يبدأ رحمه الله بذكر أسباب سقوط الدولة الأموية. ويلاحظ أن تلك الأسباب كانت منصبة على سياسة أواخر حكام هذه الدولة الذين ركنوا إلى قوة دولتهم. 

 

(2) قال الشيخ محمد الخضري بك في معرض أسباب السقوط: تحكيم بعض خلفاء بني أمية أهواءهم في أمر قوادهم وذوي الأثر الصالح من شجعان دولتهم؛ وهذا السبب متفرع من غيره؛ فإن سليمان بن عبدالملك لما ولي بعد أن كان الوليد يريد إخراجه من ولاية العهد عمد إلى كل من كان هواه مع الوليد فأذلهم وحرم نفسه وأمته من الانتفاع بتجاربهم فقد أهلك علي بن القاسم وقتيبة بن مسلم وهما قائدان عظيمان من قيس بن عيلان ولا ذنب لهما إلا أنهما من صنائع الحجاج الذي كان هواه مع الوليد ولا يميل إلى سليمان. ولما جاء يزيد بن عبدالملك كان هواه مع آل الحجاج لأنه صهرهم وكان يزيد بن المهلب قد عذب آل الحجاج فخاف وهلع وكانت نتيجة ذلك أن فقدت الدولة بيت المهلب بن أبي صفرة وهو بيت طاعة من قديم وطالما كان له أعظم الآثار في خدمة بني أمية والأمة الإسلامية؛ وكان بعد هذا شيء كثير ففسدت قلوب الناس حتى كانوا ينتظرون من يجمع كلمتهم على الانتقام من بني أمية ومن يؤازرهم. الأمة التي ينتقم خلفها من عمال السلف لأنهم كانوا على وفاق معه تفقد صالح الأعوان؛ وتحرم الاستفادة من تجارب العقلاء؛ فلا يختمر لها رأي ولا ينضج فيها عمل؛ تمر عليها الأمم سائرة إلى أمام وهي في موقفها ولها حركة لا تتبين فيها مواقع أقدامها؛ فلا تكاد تخرج من مزلة إلا صادفتها أخرى حتى يهديها التاريخ بعبرة فتعتبر إذ تساق إلى الفناء فتكون عبرة من العبر. (الدولة الأموية ص 576).

 

(3) سوء اختيارهم للعمال ( أمراء المدن و المناطق )، حيث يجور العامل على الرعية دون أن يجد ما يردعه أو يمنعه عن الجور لاسيما من الحاكم ذاته.

 

 

(4) الظلم الواقع على الرعية من قبل الوزراء الذين يحيطون بالحاكم ويسيسون الناس باسمه.

 

(5) وهو نوع آخر من الظلم، ألا وهو الظلم المالي بما يرهق الرعية من الإتاوات و الرسوم، إلى درجة أغرقت الشعب في الديون.

 

(6) وقد استحدث البريد معاوية وذلك عندما اتسع نطاق الدولة وأصبح من الضروري نقل الرسائل في سرعة متناهية لتسهيل الاتصال السريع بين الخليفة وبين عمال الأقاليم. يضعون مضمرات الخيل في عدة أماكن، فإذا وصل صاحب الخبر المسرع إلى مكان منها وقد تعب فرسه ركب غيرُهُ فرساً مستريحاً، وكذلك يفعل في المكان الآخر و الآخر حتى يصل بسرعة (من دراسات في تاريخ العرب – تاريخ الدولة العربية للدكتور السيد عبدالعزيز سالم ص 410-411 نقلاً عن ابن طبا طبا 106). 

 

(7) قال الشيخ محمد الخضري بك: كانت ولاية العهد سبباً كبيراً في انشقاق البيت الأموي، وذلك أن بني مروان اعتادوا أن يولوا عهدهم اثنين يلي أحمدهما الآخر. وأول من فعل ذلك مروان فإنه ولى عهده عبدالملك ثم عبدالعزيز فكاد عبدالملك يبدأ بشق هذا البيت حيث أراد تحويل ولاية عهده إلى ابنه الوليد وعزل أخيه لولا أن ساعده القضاء المحتوم بوفاة عبدالعزيز فلم تبدأ الأزمة، ولكنه هو الذي رأى ذلك وعلمه لم يستفد من تلك التجربة بل ولى الوليد وسليمان. خطر ببال الوليد أن يعزل سليمان ويولي ابنه فعالجه القضاء وأخر الأمر إلى حين. لم يستفد سليمان مما حصل له فولى عهده عمر بن عبدالعزيز ثم يزيد بن عبدالملك ولم يكن عمر يميل إلى يزيد فخيف منه؛ فعوجل حتى قيل إنه سُمَّ. أعاد يزيد هذه الغلطة فولى عهده هشاماً أخاه ثم الوليد ابنه، فأراد هشام أن يخلع الوليد ولج في ذلك حتى تباعد ما بين هشام و الوليد، وكان كثير من كبار القواد وذوي الكلمة المسموعة في الدولة الأموية صرحوا بممالأة هشام على رأيه ولكنه مات قبل أن ينفذ ما رآه فجاء الوليد مشمراً عن ساعد الجد في الانتقام من أولئك الخصوم الذين عليهم المعول في إشادة بيتهم ومنهم بنو عمه وكبار أهل بيته فكان ذلك نذير الخراب فإن البيت انشق وتجزأت القوى التي كان يستند عليها فكان من وراء ذلك مجال واسع لخصومهم الذين هبت أعاصيرهم من المشرق فأخمدت منهم الأنفاس وجعلتهم أثراً بعد عين (الدولة الأموية ص 573). 

 

(8) قال الشيخ محمد الخضري بك في معرض أسباب السقوط: احياء العصبية الجاهلية التي جاء الإسلام معفياً لأثرها مشدداً في النعي عليها لأنه رأى أن حياة الأمة العربية لاتستقيم مع هذه العصبيات التي أضعفت قواهم في جاهليتهم. وقد نبض عرقها في أول الدولة المروانية فإن وقعة مرج راهط التي تلاها قيام مروان بالأمر كانت بين شعبين متناظرين وهما قيس التي كانت تشايع الضحاك وكلب التي كانت تشايع مروان؛ يقدمها حسان بن مجدل الكلبي فقال في ذلك مروان:

 

لـمـا رأيـت الأمر أمراً نهبا                   يسـرت غسـان لهم وكلبا

والسكـيـن رجـالاً غلـبــا                      و طـيـئــاً تأبــاه إلا ضربـا

والقين تمشي في الحديد نكبا       ومن تنوح مشمخراً صعبا

لا يـؤخـذ الـملك إلا غصبا                 وإن دنـت قيس فقل لا قربا

 

وكان من نتيجة ذلك أن الجند الذي أرسل بقيادة عبيدالله بن زياد لحرب المختار بن عبيد الثقفي كاد يستأصل، فإن عمر بن الحباب السلمي كان على مسيرة ذلك الجيش؛ وهو من قيس عيلان فلما قامت رحى الحرب على نهر الخازر كان أول من نكس لواءه ونادى يالثارات قتلى المرج وبذلك تمت الهزيمة على جند الشام، وقتل عبيد الله وكثير من جند الشام، في الوقت الذي نبض فيه عرق العصبية الجاهلية بين قيس واليمن في الشام وكان ما هو أشد من خراسان، فإن مسلم بن زياد أميرها لما علم بموت يزيد سار عنها واستخلف المهلب بن أبي صفرة وهو أزدي والأزد من اليمن.

 

فلما كان بسرخس لقيه سليمان بن مرثد وهو من ربيعة فقال له: ضاقت عليك نزار حتى خلفت على خراسان رجلاً من أهل اليمن فولاه مرو الوذ والفارياب والطالقان والجوزجان وولى أوس بن ثعلبة هرات، فلما وصل نيسابور لقيه عبيدالله بن خازم فقال: من وليت خراسان؟ فأخبره فقال: أما وجدت في المصر من تستعمله حتى فرقت خراسان بين ربيعة واليمن، اكتب لي عهداً على خراسان، فكتب له، فسار ابن خازم إلى مرو وملكها وأخرج من بها من ربيعة فتوجهوا إلى أوس بن ثعلبة بهرات، وقالوا له: نبايعك على أن تسير إلى ابن خازم وتخرج مضر من خراسان، فبايعهم على ذلك، وسار إليهم ابن خازم، واقتتل الفريقان بهرات، وكانت الهزيمة على ربيعة بعد أن قتلوا جفاهم قتلاً ذريعاً، ثم عاد ابن خازم إلى مره. وكان بنوا تميم قد أعانوا ابن خازم لأنهم من مضر، فلما صفت له خراسان جفاهم فتنكروا له، وكانت بينهم مواقع. بذلك كانت العرب بخراسان منقسمة أقساماً أربعة: اليمن، وربيعة، وقيس عيلان، وتميم.

 

وهؤلاء الثلاثة يجمعهم نزار، ويجمع الأخيران مضر. كانت الأمراء تساعد على إنماء هذه الروح الخبيثة، فإذا ولي يماني رفع رؤوس أهل اليمن واستعملهم عمالاً على الأمصار، فإذا تلاه مضري عكس الأمر وانتقم من سلفه ومن أعماله ولم يكن ذلك العراق يسكن إلا إذا كانت حروب خارجية مع الصغد والترك فهناك تجتمع كلمتهم ويلتئم صدعهم للدفاع عن أنفسهم، فإذا عادوا عاد الفساد وكان من هذا الاختلاف مجال واسع لخصوم البيت الأموي للذين يطالبونه بما في يده مما ليس له؛ فإن أبا مسلم الخراساني إتكأ على ذلك؛ فضرب كل شعب بالآخر حتى تم له الظفر بجميعهم ولا ننسَ أن لشعراء العرب الذين نبغوا في هذه الدولة يداً كبرى في إنماء هذه العصبية، فمن قرأ أشعار الأخطل والفرزدق وجرير وغيرهم من شعراء القبائل المختلفة يتجلى له ذلك، لاشيء أضر على الأمم من أن تنقسم طوائف فتنتمي إلى عناصر مختلفة؛ وكل طائفة تتعصب لعنصرها؛ فإذا كان مع ذلك الانقسام جهالة فإن الكلمة تحق على الأمة ويقرب منها الفناء فإن الجهل يجعل روح العصبية موجهة إلى معاكسة المخالفين فتكون الأمة قوى متنافرة لا قبل لها بمن ينازعها بقاؤها.

 

لم ينتـج مـن إنـماء العصبية الجاهلية في قلب الأمة العربية ذهاب البيت الأموي وحده بل كان من ذلك ضعف الأمة العربية نفسها وتغلب الأعاجم على أمرها حتى كان منهم ما كان في عهد الدولة العباسية (الدولة الأموية ص 573 - 575).

 

(9) تبعاً لكل ما ذكر من أسباب سبق ذكرها، فقد تحزب الناس ضدهم، ووجدوا أكثر من مدخل عليهم، ولم يرض الأشراف من الناس مهازل حكامهم (لاسيما أواخرهم)، فاجتمعوا مع كل من كانت له عداوة ضدهم على كل مافي أذىً لهم، ولا أذى لهم أعظم من سلبهم الحكم من بين أيديهم.

 

  • YouTube
  • Facebook Clean Grey
  • Twitter Clean Grey
  • Grey Instagram Icon
bottom of page